Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قيس الخزعلي... "قائد الميليشيا" الباحث عن صفة رجل السياسة

يطلب من العلمانيين الذين يلتقيهم أن يشجعوا انفتاحه على العمل السياسي بديلا عن السلاح

قيس الخزعلي مؤسس "عصائب أهل الحق" (رويترز)

شكك كثيرون بالإعلان الذي أصدره زعيم حركة "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي، عن "إلقاء السلاح"، والانتقال إلى العمل السلمي، إذ يربطون بينه وبين التنظيمات المسلحة التي تتحرك بالتنسيق الوثيق مع إيران.

قيس الخزعلي كان ضمن أوائل من التحق بصفوف "جيش المهدي" الذي أسسه الزعيم الشيعي مقتدى الصدر لمحاربة الأميركيين في العراق. وجرأته جعلته يترقّى سريعاً، ليصل إلى الحلقة الضيقة للصدر، ويرافقه في كل جولاته، بصفته "قيادياً".

لكن تطلعات الخزعلي كانت أبعد من البقاء في "جيش المهدي"، فلم يتردد في استخدام صلات الصدر بالإيرانيين، ليعرض نفسه عليهم، ويكتشفوا فيه حليفاً مستقبلياً.

ووجد الخزعلي من يشاركه تطلعاته، وفي مقدمهم أكرم الكعبي، الذي كان يتولى الإشراف على الشؤون العسكرية لـ "جيش المهدي"، فانطلق مشروع "عصائب أهل الحق"، في أول ملامح انشقاق صريح عن الصدر.

يزعم الخزعلي أنه أسس حركته في 2003، لكن الحقيقة أنه حينها كان مقاتلاً في صفوف "جيش المهدي"، ولم يبدأ الإعلام بتداول اسم "عصائب أهل الحق"، بصفتها مجموعة مسلحة تختلف عن "جيش المهدي" إلا منذ 2006.

كانت لحظة اعتقال الخزعلي في 2007 حاسمة بالنسبة إلى مستقبل "عصائب أهل الحق"، إذ نجح داخل السجن في فعل ما لم يتمكن من فعله خارجه.

خلال عامين من الحبس، كسب الخزعلي عناصر جدداً "للعصائب"، ووضع هيكلاً تنظيماً لها، وفعَّل صلاته بالإيرانيين، بعدما جمعت المصلحة بينه وبين رئيس الوزراء في حينها، نوري المالكي.

منذ ذلك الحين، شاركت "العصائب" في تنفيذ عمليات عسكرية ضد القوات الأميركية بعد 2003، ثم انخرطت في الحرب الطائفية بعد 2006، إذ أوردت تقارير أنها تورطت في عملية قتل جماعية ضد السُنة في العراق، رداً على التفجيرات الانتحارية التي كان عناصر تنظيم القاعدة يستهدفون بها تجمعات شيعية في بغداد.

بين عامي 2006 و2010، تورطت "عصائب أهل الحق"، في أكثر من عملية اختطاف لموظفين أجانب في العراق، تبين لاحقاً أن الحركة تستخدمهم للإفراج عن أعضائها المعتقلين لدى القوات الأميركية والعراقية.

المالكي... الأب الروحي

يقال إن المالكي، الذي حكم البلاد بين 2006 و2014، هو من سهَّل "للعصائب" اختطاف موظفين بريطانيين وأميركيين، قايضتهم ببعض أبرز قادتها المعتقلين، بينهم قيس الخزعلي نفسه، وشقيقه ليث، المسؤول عن الأعمال المالية سابقاً، والبرنامج السياسي حالياً.

في خلال حكومة المالكي الثانية، تشكلت عشرات المجموعات العراقية المسلحة، التي أعلنت ولاءها الصريح لنظام الولي الفقيه في إيران، لكنها اتخذت من العراق مسرحاً للعمليات.

وسرت أنباء كثيرة عن أن المالكي استخدم أموال النفط الطائلة في تمويل بناء هذه الميليشيات، لتحل محل الجيش العراقي عند أي مستجد.

كان متوقعاً أن تضعف "عصائب أهل الحق" بتنحي المالكي عن قمة الهرم القيادي في الدولة، لكنها أثبتت أن لديها مشاريعها الخاصة.

وعندما انسحب الأميركيون من العراق في 2011، وجد الخزعلي نفسه في مواجهة سؤال: ما هو سبب وجودنا الآن؟

جاءت التطورات في سوريا لتمثل طوق إنقاذ، إذ سرعان ما حولت "العصائب" قوتها الضاربة من العراق إلى سوريا، لتقاتل إلى جانب قوات النظام وحزب الله اللبناني.

بعد ظهور داعش في العراق عام 2014، عاد القسم الأكبر من "العصائب" للمشاركة في المعركة ضد التنظيم.

وارتبطت مشاركة حركة "العصائب" في المعارك ضد داعش في العراق بعدد من التقارير عن عمليات تصفية جسدية واستيلاء على ممتلكات خاصة.

سرقة مصفى بيجي

إبان المواجهات ضد داعش، فسر مراقبون إصرار "العصائب" في البدء على الانخراط القوي في معارك بيجي، برغبتهم بالثأر من منطقة سببت الكثير من الأذى لقوات الأمن العراقية، والميليشيات التي عملت فيها. إلا أن سبب الإصرار تكشَّف لاحقاً، عندما اختفت معظم الأجزاء السليمة من مصفى بيجي النفطي. 

وحاولت الحركة نقل هذه الأجزاء العملاقة إلى إيران، ولكن تعثرت العملية في ظل وجود الغطاء الجوي الأميركي في أجواء العراق.

أخفت "العصائب" أجزاء المصفى التي نقلتها من بيجي في منطقة صحراوية. وعندما أيقنت استحالة إخراجها من العراق، باعتها للحكومة العراقية، لقاء نحو 100 مليون دولار، على ما أوردت المصادر.

لا ملجأ سوى إيران

وعلى الرغم من ارتباط الخزعلي بإيران، ظهرت بوادر عن تشجيعه لرجال أعمال تربطه بهم مصالح تجارية للانفتاح على الاستثمارات العربية بأشكالها كافة. ويقول مقربون إنه لا يريد أن يكون بعيداً من الركب، في حال ضعفت إيران وانحسر نفوذها في العراق. ويطلب الخزعلي من العلمانيين الذين يلتقيهم أن يشجعوا انفتاحه على العمل السياسي، بديلا عن السلاح. ويقول مقربون إن صفة "الزعيم السياسي" تستهويه الآن، أكثر من لقب "قائد الميليشيا"، ولا يتوقع المتابعون لوضعه أن يسجل أي تحولات في مواقفه ما دامت إيران قوية. 

نموذج الدعوة... و"التبعية"

على غرار حزب الدعوة، لا يريد الخزعلي جمهوراً عريضاً، بل يبحث عن مصادر النفوذ. ويقول متابعون إنه اختار حصول حركته على حقيبة الثقافة في حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، وإعادة إنتاج صورة "البطل العراقي"، عبر الإعلام الحكومي. واختار أيضاً حقيبة العمل ليبقى قريباً من قاعدته الفقيرة، عبر نظام الرعاية الاجتماعية الذي يمنح العائلة الواحدة، نحو 100 دولار في الشهر. ويأنف الخزعلي من صفة "التابع لإيران" التي تلتصق به. ويردد علناً أن "العراقي لا يمكن أن يكون تابعاً، لا لإيران ولا لغيرها"، ما يضمر أن الظروف وحدها وضعته في خانة حلفاء إيران، لا الالتزام العقائدي. وصحيح أن لقب "المقاوم" يستهويه لكنه يدرك، وفقاً لمن يعرفه، أن "المقاومة لم تعد قادرة على صنع الزخم السياسي، القادر على إبقائه وسط المشهد العراقي".

ماذا عن الصدر؟

يحب مقتدى الصدر رجاله الشجعان، ويتذكر مواقفهم وإن تحولوا إلى خصوم. هذا ما يقوله أحد المقربين من زعيم التيار الصدري، عندما يوصِّف العلاقة بين الصدر والخزعلي.

وعلى الرغم من استخدام الصدر مصطلح "الميليشيا الوقحة"، مراراً، لوصف حركة "عصائب أهل الحق"، إلا أن الخزعلي يتجنب سراً وعلناً الإشارة بسوء إلى قائده السابق، الذي تربى تحت إمرته وكان سلاحه الفتاك خلال الحرب الطائفية وضد الوجود الأميركي. يقول مطلعون إن الصدر يأمل في أن يعود الخزعلي يوماً إلى كنفه، فعلى الرغم من الانشقاقات العصية على الحصر في "جيش المهدي"، إلا أن خروج الخزعلي منه، شكل ضربة مؤلمة للصدر.

ربما يساور القلق، في هذه اللحظة، الخزعلي أكثر من غيره، لأنه بلغ أقصى طموحاته، فهو "صانع ملوك" في العراق الآن، ولم يعد بحاجة إلى "الكاتيوشا" ليثبت وجوده.

ويخشى الخزعلي، أن تندلع الحرب بين الولايات المتحدة وإيران، فيجد نفسه مرغماً على المشاركة فيها، لتضيع عند ذلك كل مكاسبه السياسية، ويعود زعيم ميليشيا.

المزيد من العالم العربي